فصل: (الرحمن: الآيات 26- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{الْجَوارِ} السفن. وقرئ: {الجوار} بحذف الياء ورفع الراء، ونحوه:
لها ثنايا أربع حسان ** وأربع فكلها ثمان

و{الْمُنْشَآتُ} المرفوعات الشرع. وقرئ بكسر الشين: وهي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهنّ. والأعلام: جمع علم، وهو الجبل الطويل.

.[الرحمن: الآيات 26- 28]:

{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28)}.
{عَلَيْها} على الأرض {وَجْهُ رَبِّكَ} ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة والذات، ومساكين مكة يقولون: أين وجه عربى كريم ينقذني من الهوان. و{ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} صفة الوجه.
وقرأ عبد اللّه: {ذى}، على: صفة ربك. ومعناه: الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم.
أو الذي يقال له: ما أجلك وأكرمك. أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده، وهذه الصفة من عظيم صفات اللّه، ولقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بياذا الجلال والإكرام» وعنه عليه الصلاة والسلام: أنه مر برجل وهو يصلى ويقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: «قد استجيب لك». فإن قلت: ما النعمة في ذلك؟ قلت: أعظم النعمة وهو مجيء وقت الجزاء عقيب ذلك.

.[الرحمن: الآيات 29- 30]:

{يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30)}.
كل من أهل السماوات والأرض مفتقرون إليه، فيسأله أهل السماوات ما يتعلق بدينهم، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} أي كل وقت وحين يحدث أمورا ويجدد أحوالا، كما روى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه تلاها فقيل له: وما ذلك الشأن؟ فقال: «من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين» وعن ابن عيينة: الدهر عند اللّه تعالى يومان، أحدهما: اليوم الذي هو مدّة عمر الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهى والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع. والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب. وقيل: نزلت في اليهود حين قالوا: إنّ اللّه لا يقضى يوم السبت شيئا. وسأل بعض الملوك وزيره عنها فاستمهله إلى الغد وذهب كئيبا يفكر فيها، فقال غلام له أسود: يا مولاي، أخبرنى ما أصابك لعل اللّه يسهل لك على يدي، فأخبره فقال له: أنا أفسرها للملك فأعلمه، فقال: أيها الملك شأن اللّه أن يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويشفى سقيما ويسقم سليما، ويبتلى معافا ويعافى مبتلى، ويعز ذليلا ويذل عزيزا ويفقر غنيا ويغنى فقيرا، فقال الأمير: أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة فقال: يا مولاي هذا من شأن اللّه. وعن عبد اللّه بن طاهر أنه دعا الحسين ابن الفضل وقال له: أشكلت على ثلاث آيات، دعوتك لتكشفها لي: قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} وقد صحّ أنّ الندم توبة وقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وقد صح أنّ القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى} فما بال الأضعاف؟
فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمّة. ويكون توبة في هذه الأمّة، لأنّ اللّه تعالى خص هذه الأمّة بخصائص لم يشاركهم فيها الأمم، وقيل إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله، وأما قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى} فمعناه: ليس له إلا ما سعى عدلا، ولى أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا، وأما قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فإنها شئون يبديها لا شئون يبتدئها: فقام عبد اللّه وقبل رأسه وسوّغ خراجه،

.[الرحمن: الآيات 31- 32]:

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32)}.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} مستعار من قول الرجل لمن يتهدده: سأفرغ لك، يريد: سأتحرّد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك، حتى لا يكون لي شغل سواه، والمراد: التوفر على النكاية فيه والانتقام منه، ويجوز أن يراد: ستنتهى الدنيا وتبلغ آخرها، وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل، وقرئ: {سيفرغ لكم}، أي: اللّه تعالى، و{سأفرغ لكم}، و{سنغفر} بالنون مفتوحا ومكسورا وفتح الراء، و{سيفرغ} بالياء مفتوحا ومضموما مع فتح الراء، وفي قراءة أبىّ، {سنفرغ إليكم}، بمعنى: سنقصد إليكم، و{الثقلان}: الإنس والجن، سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض،

.[الرحمن: الآيات 33- 36]:

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36)}.
{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} كالترجمة لقوله: {أيها الثقلان} {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضى، فافعلوا، ثم قال: لا تقدرون على النفوذ {إِلَّا بِسُلْطانٍ} يعنى بقوّة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك، ونحوه {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} وروى: أنّ الملائكة عليهم السلام تنزل فتحيط بجميع الخلائق، فإذا رآهم الجن والإنس هربوا، فلا يأتون وجها إلا وجدوا الملائكة أحاطت به. قرئ: {شواظ} و{نحاس}، كلاهما بالضم والكسر، والشواظ: اللهب الخالص.
والنحاس: الدخان، وأنشد:
تضيء كضوء سراج السّلي ** ط لم يجعل الله فيه نحاسا

وقيل: الصفر المذاب يصب على رءوسهم. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: إذا خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر. وقرئ: {ونحاس}، مرفوعا عطفا على {شواظ}. ومجرورا عطفا على {نار}. وقرئ: {ونحس}: جمع نحاس، وهو الدخان، نحو لحاف ولحف. وقرئ: {ونحس} أي: ونقتل بالعذاب. وقرئ: {نرسل عليكما شواظا من نار ونحاسا فَلا تَنْتَصِرانِ} فلا تمتنعان.

.[الرحمن: الآيات 37- 40]:

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40)}.
{وَرْدَةً} حمراء {كَالدِّهانِ} كدهن الزيت، كما قال: كالمهل، وهو دردىّ الزيت، وهو جمع دهن. أو اسم ما يدهن به كالحزام والإدام. قال:
كأنّهما مزادتا متعجل فريّان ** لمّا تدهنا بدهان

ويمكن أن المعنى أنه مستعجل لم يصبر حتى يدبغهما ويدهنهما، فريان: مشقوقتان، أي على حالة سلخهما لم يدهنا بدهن قط. وقيل: معنى التعجل أنه لم يحكم ربطهما. فهما يذرفان ماء من فميهما لا من ثقويهما.
وقيل: الدهان الأديم الأحمر. وقرأ عمرو بن عبيد. {وردة} بالرفع، بمعنى: فحصلت سماء وردة، وهو من الكلام الذي يسمى التجريد، كقوله:
فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة ** تحوى الغنائم أو يموت كريم

{إِنْسٌ} بعض من الإنس {وَلا} {جَانٌّ} أريد به: ولا جن، أي: ولا بعض من الجن، فوضع الجان الذي هو أبو الجن موضع الجن، كما يقال: هاشم، ويراد ولده. وإنما وحد ضمير الإنس في قوله: {عَنْ ذَنْبِهِ} لكونه في معنى البعض. والمعنى: لا يسألون لأنهم يعرفون بسيما المجرمين وهي سواد الوجوه وزرقة العيون. فإن قلت: هذا خلاف قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}. قلت: ذلك يوم طويل وفيه مواطن، فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر: قال قتادة: قد كانت مسألة، ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. وقيل لا يسأل عن ذنبه ليعلم من جهته، ولكن يسأل سؤال توبيخ. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {ولا جأن}، فرارا من التقاء الساكنين، وإن كان على حده.

.[الرحمن: الآيات 41- 45]:

{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)}.
{فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ} عن الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره وقيل تسحبهم الملائكة: تارة تأخذ بالنواصي، وتارة تأخذ بالأقدام {حَمِيمٍ آنٍ} ماء حار قد انتهى حرّه ونضجه، أي: يعاقب عليهم بين التصلية بالنار وبين شرب الحميم.
وقيل: إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم. وقيل: إن واديا من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال، فيغمسون فيه حتى تنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه وقد أحدث اللّه لهم خلقا جديدا. وقرئ: {يطوّفون} من التطويف. و{يطوّفون}، أي: يتطوّفون ويطافون. وفي قراءة عبد اللّه: (هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليان لا تموتان فيها ولا تحييان يطوفون بينها). ونعمة اللّه فيما ذكره من هول العذاب: نجاة الناجي منه برحمته وفضله، وما في الإنذار به من اللطف.

.[الرحمن: الآيات 46- 55]:

{وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55)}.
{مَقامَ رَبِّهِ} موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} ونحوه {لِمَنْ خافَ مَقامِي} ويجوز أن يراد بمقام ربه: أن اللّه قائم عليه، أي حافظ مهيمن من قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} فهو يراقب ذلك فلا يجسر على معصيته. وقيل: هو مقحم كما تقول: أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك. وأنشد:
ذعرت به القطا ونفيت عنه ** مقام الذئب كالرّجل اللّعين

يريد: ونفيت عنه الذئب. فإن قلت: لم قال: {جَنَّتانِ}؟ قلت: الخطاب للثقلين، فكأنه قيل: لكل خائفين منكما جنتان: جنة للخائف الإنسى، وجنة للخائف الجنى. ويجوز أن يقال: جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، لأنّ التكليف دائر عليهما وأن يقال: جنة يثاب بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} خص الأفنان بالذكر: وهي الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة، لأنها هي التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال، ومنها تجتنى الثمار. وقيل: الأفنان ألوان النعم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. قال:
ومن كل أفنان اللّذاذة والصّبا لهوت به ** والعيش أخضر ناضر

{عَيْنانِ تَجْرِيانِ} حيث شاءوا في الأعالى والأسافل. وقيل: تجريان من جبل من مسك.
وعن الحسن: تجريان بالماء الزلال: إحداهما التسنيم، والأخرى: السلسبيل {زَوْجانِ} صنفان: قيل: صنف معروف وصنف غريب {مُتَّكِئِينَ} نصب على المدح الخائفين. أو حال منهم، لأنّ من خاف في معنى الجمع {بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباج ثخين، وإذا كانت البطائن من الإستبرق، فما ظنك بالظهائر؟ وقيل: ظهائرها من سندس. وقيل: من نور دانٍ قريب يناله القائم والقاعد والنائم. وقرئ: {وجنى}، بكسر الجيم.

.[الرحمن: الآيات 56- 61]:

{فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61)}.